الأربعاء، 28 مارس 2012

آخر يوم على الكرسي المريح


جاء لزيارتي في الأسر، ورأى بعينيه المأساة التي أعيشها هنا.منذ نقلوني إلى الأسر في الناصرة، صارت زياراته تتكرر لرؤيتي، وكان أول شاهد على ما يجري لي هناك. رآهم حين أجلسوني على الكرسي المريح، وراحوا يغرسون أنيابهم في رأسي ويشربون من رحيقي، حتى يجف. رآهم بعد ذلك يصبون كل ما امتصوه مني في عيون الناس ليسحرهم ويلقي بهم في مستنقع الجشع الذي حفروا مثله في كل بلدة ليغرقوا فيه أهلها. كان يبكي حين يراني كيف ألف الخراء بالزهور وأزينه بالألوان الزهية والكلمات المعسولة ليبيعونه للسابحين في المستنقع فيأكلوه شاكرين. 

كان العبيد الغارقون في المستنقع يتمنون لحظة يخرجون فيها ليجلسوا على الكرسي المريح الذي احتلته مؤخرتي الغارقة في الديون، في السنوات الأخيرة.
أي أن مستنقع الجشع لن يجف عند فراري. مع ذلك كنت أعلم أن مهمتي هناك على وشك الانتهاء. كانت ثقتي كبيرة بأن الإلكترون العظيم لن يتخلى عني، وسيبعث في الروح والقوة لكسر القيود والأنياب. خلاصي قريب.  طمأنته ووعدته بأنني لن أمكث طويلا في هذه الوضعية. 

كنت أحدثه عن المؤامرة وأحذره من الوقوع في الكمين. كان بوده أن يحررني، وعبر عن عجزه وقلة حيلته بدمعة حبسها في عينه ويد راجفة تربت على كتفي. لكنه كان أقل عرضة مني للوقوع في الأسر أو الغرق في المستنقع، لأنه ينحدر من عائلة لها أشجار عالية تعيش فوقها، على عكس عائلتي التي ولدت وترعرعت في المستنقع وستموت فيه على الأغلب.

كنت في انتظار أن تكتمل خطة الفرار. ولكن التخطيط يأتي بالأفكار وأفكاري لم تعد لي، فقد شوهتها أنيابهم وحرفتها عن الصراط المستقيم. فلم تكتمل خطة الفرار، وظلت تواجه العقبات وتتعثر بها كلما ضاق الحال علي واشتدت رغبتي بالحرية.

في تلك الليلة، عرفت أنه لم يعد بإمكاني أن أنتظر، أكثر من الصباح. بدأ الأمل يتدفق في عروقي 
ويدفعني نحو التمرد المباشر. وانتظرت الصباح لأتأكد من عزمي عليه. جاء الصباح وجاءت معه الإشارة بالانطلاق. ودون أي تفكير، اتكلت على الالكترون العظيم وكتبت لهم سطور المطالبة بالتحرير وقدمتها لكبيرهم. أغلقت حنفية الرحيق في رأسي ونزعت الأنياب المغروسة في دماغي. ضمدت الجرح بفرحة الحرية وركضت بأسرع ما عندي دون النظر إلى الخلف..

وإذ بصوت يناديني. التفت، فرأيته في الخارج ينتظرني، قلت له "خلص.. استقلت"...
سأبحث عن شجرة
باي